الخميس، 16 أكتوبر 2014

شبهة كل الناس افقه من عمر

لو صحت هذه الرواية فليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله: «كل أحد أفقه من عمر» ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن هذا الطاعن أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال: «خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عزوجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عزوجل يقول في كتابه: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً [النساء : 20] فقال عمر: (كل أحد أفقه من عمر) مرتين أو ثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له»([1]).
وهذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان:
 الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: (هذا منقطع) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب (المراسيل): (سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل).
والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهو ابن سعيد، قال عنه البخاري: (كان يحيى القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي)([2]). وقال النسائي: (كوفي ضعيف). وقال الجوزجاني: (مجالد بن سعيد يضعّف حديثه). وقال ابن عدي: سألت أحمد بن حنبل عن مجالد فقال: (ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس)، وقال ابن عدي أيضاً: (عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث)([3]). وقال ابن حجر: (ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره)([4]).

وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
 أ- أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال: (خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية)([5]). فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهو يظهر بطلان الرواية الأخرى. ب- مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبو داود في سننه عن عمر قال: (خير النكاح أيسره)([6]). وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها)([7]). وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه)([8]). وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق. ت- هذه الآية التي استدلت بها المرأة معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثير المنوه عنه بالآية بالقنطار لا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور. أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة.

([1]) سنن سعيد بن منصور برقم 595، 569، 579.
([2]) الضعفاء الصغير ص116 رقم 368.
([3]) تهذيب الكمال 27/222.
([4]) تقريب التهذيب 2/159.
([5]) سنن أبي داود برقم 2106.
([6]) سنن أبي داود برقم 2117.
([7]) صحيح ابن حبان برقم 4095، مستدرك الحاكم 2/197 2739، موارد الظمآن برقم 1256.
([8]) صحيح مسلم برقم 1424.

كل أحد أفقه من عمر كل الناس أفقه منك يا عمر
رواه البيهقي في سننه وأصله " ألا تغالوا في مهور النساء". قال البيهقي "إسناده منقطع" (7/ 233) وقال الحافظ زين الدين العراقي " فيه ابن سخبرة وهوعيسى بن ميمون وهومتروك" (فيض القدير للمناوي2/ 6).
ومع تعدد طرق هذه الرواية التي فيها أن امرأة ردت على عمر فإنها مروية من طرق ضعيفة ومعلولة وتتعارض وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم" إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها". وسنده حسن.

كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال
ثم يقول ((وهذا عمر بن الخطاب يقول (كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال) ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم})) (4).
1ـ أقول هذه الرواية ليست بهذا اللفظ بل روي عنه قوله (كل أحد أفقه من عمر) ولا شك أن لهذا القول سبب ولكن التيجاني أخفاه ليوهم أن عمر يقول ذلك دون سبب، فالرواية بتمامها هي ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال ((خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنهمالناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوسيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت: نهيت الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه: {وءاتيتم إحداهن قِنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} فقال عمر: (كل أحد أفقه من عمر) مرتين أوثلاثاً، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني نهيتكم أن لا تغلوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له)) (1)، قلت: هذه الرواية باطلة سنداً ومتناً، فأما من ناحية السند: ففيه علّتان، الأولى الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته: (هذا منقطع) لأن الشعبي لم يدرك عمر، يقول ابن أبي الرازي في كتاب (المراسيل) ((سمعت أبي وأبا زُرعة يقولان: الشعبي عن عمر مرسل)) (2). والعلّة الثانية: أن في سنده مجالد وهوابن سعيد، قال عنهمالبخاري ((كان يحي القطان، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي)) (3) وقال النسائي ((كوفي ضعيف)) (4) وقال الجوزجاني ((مجالد بن سعيد يضعّف حديثه)) (5) وقال ابن عدي سألت
__________
(1) سنن سعيد بن منصور جـ1 باب ما جاء في الصداق برقم (595، 569،579).
(2) القول المعتبر في تحقيق رواية كل أحد أفقه من عمر ص (2).
(3) الضعفاء الصغير للبخاري ص (116) رقم (368).
(4) الضعفاء والمتروكين للنسائي ص (236) رقم (552).
(5) الشجرة في أحوال الرجال وآيات النبوة للجوزجاني ص (144).
أحمد بن حنبل عن مجالد فقال ((ليس بشيء، يرفع حديثاً منكراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس، وقال ابن عدي أيضاً عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن معين، لا يحتج بحديثه ـ وقال أيضاً: ضعيف واهي الحديث)) (1) وقال ابن حجر ((ليس بالقوي، لقد تغير في آخر عمره)) (2)، وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
أ ـ أنه ثبت عن عمر صريحاً نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فقد روى أبوداود عن أبي العجفاء السلمي قال ((خطبنا عمر فقال: ألا لا تغالوا بصُدْقِ النساء، فإنها لوكانت مكرمة في الدنيا، أوتقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إمرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية)) (3) فهذا الحديث الصحيح يظهر نهي عمر عن المغالاة في المهور وهويظهر بطلان الرواية الأخرى.
__________
(1) تهذيب الكمال للمزي جـ27 ص (222) رقم (578).
(2) تقريب التهذيب جـ2 ص (159) وانظر كتاب القول المعتبر.
(3) سنن أبي داود ـ باب ـ الصداق برقم (216) وراجع صحيح أبي داود برقم (1852).
ب ـ مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: ما أخرجه أبوداود في سننه عن عمر قال ((خير النكاح أيسره)) (1)، وأيضاً ما أخرجه الحاكم وابن حبان في موارد الظمآن عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((من يُمن المرأة تسهيل أمرها وقِلّة صداقها)) (2)، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: على أربع أواق؟ كأنّما تنحتون الفضة من عُرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه)) (3)، وغير هذه الأحاديث التي تحث على تقليل الصداق.
ت ـ هذه الآية التي استدلت بها المرأة {وآتيتم إحداهُنَّ قِنطاراً} معترضة بمفهومها على عمر في نهيه عن المغالات في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثيرالمنوه عنه بالآية بالقنطارلا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أويستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أولكثرته، هذا فيما لوكانت الآية تدل على المغالاة في المهور.
__________
(1) سنن أبي داود كتاب النكاح رقم (2117) وراجع صحيح أبي داود برقم (1859) وموارد الظمآن جـ4 برقم (1257) وقال المحقق: إسناده جيد.
(2) موارد الظمآن كتاب النكاح برقم (1256) والحاكم في المستدرك كتاب النكاح ص (181) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(3) مسلم مع الشرح كتاب النكاح ـ باب ـ ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها برقم (1424).
أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور ((وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هوعلى جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (من بنى لله مسجداً ولوكمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أنه لا يكون مسجداً كمفحص قطاة)) (1)، هذا من جهة وأما من جهة ثانية فما نقله أبوحيان عن الفخر الرازي أنه قال (لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله تعالى {وآيتيم} لا يدل على جواز إيتاء القنطار، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين) (2)، نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لوأحب إعطاء زوجته تطوعاً من نفسه فدفع إليها قنطاراً أوقناطير فهذا جائز، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال ((ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقاً كثيراً فلا بأس بذلك، كما قال تعالى {وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً})) (3) وبعد هذا البيان نخلص إلى بطلان هذا الحديث سنداً متناً، ونعلم مقدار فقه وعلم عمر!
__________
(1) القول المعتبر ص (34 ـ 36).
(2) المصدر السابق ص (36).
(3) المصدر السابق ص (37).

كل النَّاس أفقه من عمر

تخريج قصة المرأة مع عمر - رضي الله عنه -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - له ثلاث طرق، ولا تخلوطريق من مقال:
الأولى: رواه أبويعلى - كما في " تفسير ابن كثير " (1/ 468) - قال: حدثنا أبوخيثمة حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك، ولوكان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أوكرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيتَ النَّاس أن يزيدوا في مهر النساء على أربع مائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول {وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً} الآية؟ قال: فقال: اللهمَّ غفراً، كل النَّاس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب. قال أبويعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
قلت: وإسناده ضعيف، فيه: مجالد بن سعيد، وقد ضعَّفه يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن مهدي وأحمد بن حنبل والنسائي والدارقطني وغيرهم. انظر " التاريخ الكبير " للبخاري (8/ 9)، و" الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 35).
والأثر رواه البيهقي (7/ 233) لكن بإسقاط " مسروق " بين الشعبي وعمر، لذا قال عنه البيهقي: هذا منقطع. فالشعبي - وهوعامر بن شراحيل - وُلد لست سنين مضت من خلافة عمر على المشهور، كما في " تهذيب الكمال " للمزي (14/ 28)، وروايته عن عمر مرسلة كما قال أبوزرعة الرازي وأيده العلائي في " جامع التحصيل " (ص 24)، وبيَّن المزي في " تهذيب الكمال " (14/ 3) أنه لم يسمع من عمر.
وأظن أن الوهم فيه من " مجالد " فيكون قد ذكر - مرة - مسروقاً، ومرة أسقطه.
تنبيه: الحديث في " أبي يعلى الكبير " كما قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/ 284) والعجلوني في " كشف الخفاء " (2/ 154)، وليس هوفي " مسنده " المطبوع البتة.
الثانية: رواه عبد الرزاق في " المصنف " (6/ 18) عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر؛ إن الله يقول " وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب " - قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود - " فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئاً "، فقال عمر: إن امرأة خاصمتْ عمر فخصمتْه.
قلت: وهوضعيف، فيه علتان:
أولاهما: الانقطاع بين أبي عبد الرحمن السلمي وعمر بن الخطاب، فهولم يسمع منه كما قال ابن معين وأقره العلائي في " جامع التحصيل " (ص 28).
والثانية: ضعف قيس بن الربيع، قال يحيى بن معين - عنه -: ليس بشيءٍ، وقال - مرة -: ضعيف، وقال - مرة -: لا يُكتب حديثه، وقيل لأحمد: لم ترك الناس حديثه؟ قال: كان يتشيع، وكان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث منكرة، وكان ابن المديني ووكيع يضعفانه، وقال السعدي: ساقط، وقال الدارقطني: ضعيف الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث.
انظر " ميزان الاعتدال " (5/ 477) و" الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 19).
وقد ذكر شيخنا الألباني - رحمه الله - العلتين في " إرواء الغليل " (6/ 348).
الثالثة: رواه الزبير بن بكار - كما في " تفسير ابن كثير " (1/ 468) - قال: حدثني عمِّي مصعب بن عبد الله عن جدِّي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغصة - يعني: يزيد بن الحصين الحارثي - فمَن زاد ألقيتُ الزيادة في بيت المال، فقالت امرأةٌ من صفة النِّساء طويلة، في أنفها فطس: ما ذاك لك، قال: ولم؟ قالت: إنَّ الله قال {وآتيتم إحداهنَّ قنطاراً} الآية، فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.
قلت: وإسناده ضعيف، فيه علتان:
الأولى: ضعف جدِّ مصعب بن عبد الله وهومصعب بن ثابت، قال يحيى بن معين: ضعيف، وقال - مرة -: ليس بشيءٍ، وقال أحمد: أراه ضعيف الحديث، وقال السعدي: لم أر النَّاس يحدِّثون عنه، وقال ابن حبان: انفرد بالمناكير عن المشاهير فلمَّا كثر منه استحق مجانبة حديثه.
انظر " الضعفاء " للعقيلي " (4/ 196)، و" المجروحين " لابن حبان (3/ 28)، و" الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (3/ 122)
والثانية: الانقطاع بينه وبين عمر - رضي الله عنه -.
وبعد، فلا يطمئن القلب لتحسين القصة عن عمر لكثرة علل طرقها، ولعل هذا مما يزيدها ضعفاً، وهوأن لا تأتي مثل هذه القصة المشهورة إلا من طريق هؤلاء الضعفاء.
ومما يدل على ضعف إنكار المرأة على عمر أمران: الأول: أنه قد صح عن عمر النهي عن المغالاة في المهور من طريق صحيح، وليست فيه هذه الزيادة المنكرة: عن أبي العجفاء السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: " ألا لا تغالوا صدقة النساء؛ فإنها لوكانت مكرمة في الدنيا أوتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، ما علمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً مِن نسائه ولا أَنكح شيئاً مِن بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية ". رواه الترمذي (والنسائي (3349) وأبوداود (216) وابن ماجه (1887).
قال أبوعيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
والأوقية: أربعون درهماً - كما ذكره الترمذي -.
تنبيه: ذكر العجلوني في " كشف الخفاء " (1 /) و(2/ 155) رواية عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن عمر، وجعلها عن أبي العجفاء عن عمر! وهووهم، فلم يأت إنكار المرأة من طريق أبي العجفاء البتة، وهي رواية السنن، وها هما الروايتان - ولله الحمد - بين أيدينا، وإنما نبهتُ على هذا لأن الدارقطني - كما سيأتي - رجح رواية أبي العجفاء فلعل أحداً أن يخلط بين الخطأ الذي في " الكشف " وبين الصواب الذي في السنن " فلزم التنبيه.
والثاني: أنه لا يخفى على مثل عمر - إن شاء الله - مثل هذه الآية، وأنه كلامه ليس في النهي الشرعي، بل هوللإرشاد كما هوواضح عند أدنى تأمل، ومما يمكن الاستئناس به للأمرين - وهما علمه بالآية وأنه لم ينه النهي الشرعي - ما رواه البيهقي عنه قال - رضي الله عنه -: " لقد خرجتُ وأنا أريد أن أنهى عن كثرة مهور النساء حتى قرأت هذه الآية {وآتيتم إحداهن قنطاراً}.
قال البيهقي: هذا مرسلٌ جيِّدٌ.
وقضية غياب آية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران / 144] التي غابت عنه يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن الاستدلال بها لتثبيت غياب هذه الآية كذلك؛ لأن سبب غياب تلك الآية معقول وهومصيبة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم التي تنسي المحب ما يعلم، وليس الأمر كذلك هنا، فلا سبب يمكن أن يقال في ذهول عمر عن هذه الآية، أويقال كان جاهلا بها، ويرده ما سبق ذكره من أثر البيهقي، وما هومعلوم عن عمر من دقة فهمه - لا حفظه فقط - لكتاب الله تعالى، ويدل على ذلك حديث الصحيحين في اختبار الصحابة في معنى قوله تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ…} الآيات، فلما لم يعلم الصحابة معناها وأمر ابنَ عباس أن يقول لهم ما يعلم وقال: إنها أجلُ النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم، والحديث في الصحيحين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تُدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رئيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً} حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أولم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هوأجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.
رواه البخاري (443) في كتاب المغازي، باب منزل النبي يوم الفتح، و(4686) في كتاب تفسير القرآن، باب قوله {فسبِّح بحمد ربِّك واستغفره إنه كان توَّاباً}.
وأما ما ورد من حفظه للقرآن فكثير ومن أشهره: إنكاره على هشام بن حكيم قراءته سورة الفرقان، وهوحديث مشهور معلوم رواه البخاري (2287) ومسلم (818).
فائدة (1): سئل الدارقطني - رحمه الله - عن حديث السنن السابق، وتكلم عليه، وذكر طريق مجالد وتكلَّم عليها، وخلاصة ما قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العجفاء. " علل الدارقطني " (2/ 238).
فائدة (2): يستدل الرافضة بهذا الأثر كثيراً للطعن في عمر - رضي الله عنه - وأنه صوَّبته امرأة في حكم شرعي، ولما كان الرافضة أغبى الطوائف المنتسبة للإسلام فإنهم لم يتنبهوا إلى أن في القصة - على فرض صحتها - تزكية عظيمة لعمر - رضي الله عنه - من قبوله للحق ممن هودونه، بل ومن امرأة، ومن ثّمَّ اعترافه بذلك أمام الناس، وهومما لا يفعله إلا القلائل من خلق الله على مدى العصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
والجواب: أن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه ورجوعه إلى الحق إذا تبين له، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة، ويتواضع له، وأنه معترف بفضل الواحد عليه ولوفي أدنى مسألة، وليس من شرطِ الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمرٍ من الأمور، فقد قال الهدهد لسليمان {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ} [سورة النمل / 22]، وقد قال موسى للخضر {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً} [سورة الكهف / 66]، والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة، ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريباً من موسى فضلاً عن أن يكون مثله، بل الأنبياء المتِّبعون لموسى كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم أفضل من الخضر. وما كان عمر قد رآه فهومما يقع مثله للمجتهد الفاضل.
" منهاج السنة " (6/ 76، 77).
والله أعلم.
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أحسنت وافدت وجزا الله ناقلة وكاتبة خيرا
والرافضة لا تقنع بالافهام ولا تنتفع بة لانهم خارج ذوي الالباب فلا عيب في عمر ان نزل علي امراة اوالرجل اذا اصابوا الحق الا ان يلحق علياً مثلة كما جاء في المصادر الاتية
(وقدم علي (ع) من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وهوبمكة فدخل على فاطمة سلام الله عليها وهي قد أحلت فوجد ريحا طبية ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت أمرنا بهذا رسول صلى الله عليه وآله فخرج علي (ع) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مستفتيا، فقال: يارسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنا أمرت الناس بذلك .. ) الكافي ج4/ 249
( ... وقدم علي (عليه السلام) من اليمن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهوبمكة فدخل على فاطمة سلام الله عليها وهي قد أحلت فوجد ريحا طبية ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت أمرنا بهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستفتيا، فقال: يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا أمرت الناس بذلك ... ) الكافي ج 4/ 246
( ... وكان علي عليه السلام باليمن فلما رجع وجد فاطمة عليها السلام قد أحلت فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستفتيا ومحرشا على فاطمة عليها السلام، فقال له: أنا أمرت الناس بذلك .. ) من لا يحضره الفقيه الصدوق ج 2/ 237
(وقدم علي عليه السلام من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وهوبمكة فدخل على فاطمة عليها السلام وهي قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مستفتيا محرشا على فاطمة عليها السلام فقال: يا رسول الله اني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انا أمرت الناس بذلك .. ) تهذيب الأحكام الطوسي ج 5/ 455 - 456
فهل يقول الرافضة في عليا مع فاطمة رضي الله عنهما كما قالوا في عمر والمراة رضي الله عنهما
التوقيع
من رباعيات الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: قال أبوعبد الله (عليه السلام): إن ممن ينتحل هذا الامر ليكذب حتى أن الشيطان ليحتاج إلى كذبه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.