الخميس، 16 أكتوبر 2014

شبهة عمر يسأل حذيفة هل انا من المنافقين

وفي " المسند " ((4)) عن حُذيفة ، قال : إنَّكم لتكلِّمون كلاماً إنْ كُنّا لنعدُّه
على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاقَ ، وفي رواية ((5)) قال : إنْ كان الرجلُ ليتكلَّمُ بالكلمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيصير بها منافقاً ، وإنِّي لأسمعها من أحدِكم في اليوم في المجلس عشر مرارٍ .
قال بلالُ بنُ سعد : المنافق يقولُ ما يَعرِفُ ، ويعمل ما يُنكِرُ .
ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاقَ على أنفسهم ، وكان عمرُ يسأل حُذيفة عن نفسه .
وسئل أبو رجاء العطاردي : هل أدركتَ من أدركتَ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاقَ ؟ فقال : نَعَمْ إني أدركتُ منهم بحمد الله صدراً حسناً ، نعم شديداً ، نعم شديداً ((6)) .
وقال البخاري في " صحيحه " ((7)) : وقال ابنُ أبي مُليكة : أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه .
ويُذكر عن الحسن قال : ما خافه إلاَّ مؤمِنٌ ، ولا أمنه إلا منافق ((8)) . انتهى .
وروي عن الحسن أنَّه حَلَفَ : ما مضى مؤمِنٌ قطُّ ولا بقي إلا وهو من النفاق مُشفِق ، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن . وكان يقول : من لم يخفِ النفاق ، فهو منافق ((9)) .
وسَمِعَ رجل أبا الدرداء يتعوَّذُ من النفاق في صلاته ، فلما سلَّم ، قال له : ما شأنك وشأنُ النفاق ؟ فقال : اللهمَّ غفراً - ثلاثاً - لا تأمن البلاءَ ، واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة ، فينقلِبُ عن دينه ((10)). والآثار عن السَّلف في هذا كثيرة جداً . قال سفيان الثوري : خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث ، فذكر منها قال : نحن نقول : النفاق ، وهم يقولون : لا نفاق((11)) .
وقال الأوزاعي : قد خاف عمر النفاقَ على نفسه ، قيل له :
إنَّهم يقولون :
إنَّ عمر لم يَخَفْ أنْ يكونَ يومئذ منافقاً حتى سأل حُذيفة ، ولكن خاف أنْ يُبتلى بذلك قبل أنْ يموت ، قال : هذا قولُ أهل البدع ، يشير إلى أنَّ عمر كان يخاف النفاقَ على نفسه ((12)) في الحال ، والظَّاهر أنَّه أراد أنَّ عمر كان يخاف على نفسه في الحال من النفاق الأصغر ، والنفاق الأصغر وسيلةٌ وذريعةٌ إلى النفاق الأكبر ، كما أنَّ المعاصي بريدُ الكفر ، فكما يخشى على من أصرَّ على المعصية أنْ يُسلَبَ الإيمانَ عندَ الموت ، كذلك يخشى على مَنْ أصرَّ على خصالِ النفاق أنْ يُسلَبَ الإيمانَ ، فيصير منافقاً خالصاً .
وسُئِلَ الإمامُ أحمد : ما تقولُ فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ فقال : ومن يأمنُ على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يُسمي من ظهرت منه أوصافُ النفاق العملي منافقاً ، وروي نحوه عن حذيفة .
وقال الشعبي : من كذب ، فهو منافق ((13)) ، وحكى محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقةٍ من أهل الحديث ، وقد سبق في أوائل الكتاب ذكرُ الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر : هل يسمي كافراً كفراً لا يَنقلُ عن الملة أم لا ؟ واسمُ الكفر أعظم من اسم النفاق ، ولعلَّ هذا هوَ الذي أنكره عطاءٌ عن الحسن إن صحَّ ذلك عنه ((14)) .
__________
(1)
أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 685 ) عن عمر بن الخطاب موقوفاً .
(2)
أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 682 ) ، وابن بطة في " الإبانة " ( 914 )
و( 928 ) .
(3) 9/89 ( 7178 ) .
(4)
مسند الإمام أحمد 5/384 ، وهو أثر قويٌّ بطرقه .
(5)
أخرجها : أحمد 5/386 .
وأخرجه : ابن بطة في " الإبانة " ( 915 ) ، وأبو نعيم في " صفة النفاق ونعت المنافقين "
( 118 )
، وهو أثر قويٌّ بطرقه .
(6)
أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 686 ) ، والفريابي في " صفة المنافق " ( 81 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 2/307 .
(7)
ذكره البخاري 1/19 معلقاً ، وأخرجه في " التأريخ الكبير " 5/43 ( 6482 ) موصولاً .
(8)
ذكره البخاري 1/19 معلقاً ، وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 859 ) موصولاً .
(9)
أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 687 ) ، والفريابي في " صفة المنافق " ( 87 ) .
(10)
أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 73 ) و( 74 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان "
( 857 ) .
(11)
أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 93 ) ، ومن طريقه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11/162 .
(12)
سأل أبان الحسن فقال: هل تخاف النفاق قال : وما يؤمنني وقد خاف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .
وأخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 84 ) .
وقال معاوية بن قرة : أن لا أكون فيّ نفاق أحب إليّ من الدنيا وما فيها كان عمر - رضي الله عنه - يخشاه وآمنه أنا .
أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 86 ) .
(13)
أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 22 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 4892 ) .
(14)
سبق بيانه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.