الخميس، 16 أكتوبر 2014

شبهة عمر عطل سهم المؤلفة قلوبهم

            

(((إدعائهم أن عمر يجتهد أمام النصوص وان عمر اعطل سهم المؤلفة قلوبهم))))

        قال الرافضي مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النص: «استنتجت من خلال البحث، أن مصيبة الأمة الإسلامية انجرت عليها من الاجتهاد الذي دأب عليه الصحابة مقابل النصوص الصريحة، فاخترقت بذلك حدود الله، ومحقت السنة النبوية، وأصبح العلماء والأئمة بعد الصحابة يقيسون على اجتهادات الصحابة، ويرفضون بعض الأحيان النص النبوي، إذا تعارض مع ما فعله الصحابة...

        ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو: الخليفة الثاني، الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم  ، فعطل سهم المؤلفة قلوبهم، الذين فرض الله لهم سهماً من الزكاة، وقال: لا حاجة لنا فيكم».

الــــــــــــــــــــــــــــــرد :

 لا يخفى ما في كلام هذا الرجل من الكذب والتلبيس، وقلب الحقائق، وعظيم الجرأة على إنكار ما هو معلوم بالضرورة من الدين والتأريخ والواقع، وذلك في رميه للصحابة برفض النصوص، وترك السنة، ومعارضتها بأقوالهم وآرائهم. مع أن المعلوم من حال الصحابة المقطوع به في المسلمين، أنه ما عرفت الأمة مثلهم في شدة الحرص على النصوص، وحسن المتابعة لها، وقوة العزيمة في الأخذ بها، والقيام بها أيّما قيام، وتطبيقها في كافة الظروف والأحوال، حتى أصبحو بذلك مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال، على مر السنين والقرون، في القوامة بأمر الدين. حتى إن عوام المسلمين إذا ما رأوا من رجل صدق التدين، وحسن الاستقامة، قالوا في وصفه على سبيل التمدح: (كأنه تربّى على الصحابة، أو كأنه يعيش بين الصحابة) وما ذلك إلا لما اشتهر في الأمة واستفاض من عدالة هؤلاء الصحابة، ورسوخ قدمهم في الدين، وقوة تمسكهم به.

        ومرجع هذا كله إلى ما تضافرت عليه نصوص الشرع، مما يطرق أسماع المسلمين في كل وقت وحين، من وصف الله ورسوله للصحابة بأحسن الصفات، والثناء عليهم بأجمل الثناء، والشهادة لهم بالإيمان والتقوى، وأن الله قد رضي عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم  قد مات وهو راض عنهم، مبشرهم بالخير من ربهم.

        ولذا فإن طعن هذا الرافضي في الصحابة بما يقدح في دينهم، وعدم تمسكهم بالشرع، لا أرى أنه يحتاج إلى تكلف رد، لرسوخ الاعتقاد في الأمة بعدالتهم، واستفاضة النصوص بعلو شأنهم في الدين ومكانتهم.

        وإنما أشير هنا على وجه الخصوص، إلى كذب ما ادعاه الرافضي من توسع عمر رضي الله عنه في الاجتهاد والعمل برأيه مقابل النصوص، لخشية التلبيس في هذا الأمر على من لا علم عنده من العامة وأهل الجهــل.

        وبيان كذبه وفساد ما ادعاه في ذلك يكون من عدة وجوه.

        الوجه الأول: أن هذه دعوى مجردة عن الحجة والدليل، لا قيمة لها عند أهل النظر والتحقيق، إذ المؤلف لم يقدم عليها دليلاً واحداً، يدل على ثبوت ما ادعاه.

        الوجه الثاني: أن الطعن في عمر بهذا قدح في النبي صلى الله عليه وسلم  الذي أوصى الأمة باتباع سنته، وسنة الخلفاء الراشدين، وقد كان عمر منهم، وذلك في قوله كما في حديث العرباض بن سارية (... عليكم بسنتي وسنة الخنبي صلى الله عليه وسلم  غاشاً لأمته غير ناصح لها بأمره باتباع سنة عمر والاقتداء به ، ولا يمكن للخصم أن يدعي أن ذلك التغيير من عمر حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  فلم يكن معلوماً له عند النطق بتلك الأحاديث وذلك لســببين.

        الأول: أن الرافضي ذكر في كلامه أن معارضة عمر للسنة كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم  ، وزعم أنه عارض النبي صلى الله عليه وسلم  في أكثر من مناســبة.

        الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم  لا يشرع من عند نفسه، وإنما هو مبلغ عن ربه {وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى}، فلو كان حال عمر خفي على النبي صلى الله عليه وسلم  ، أفكان يخفى على رب العالمين!! فلما جاء الأمر بالاقتداء بعمر ممن لا ينطق عن الهوى، علمنا أن عمر كان على الحق والهدى، على رغم أنف هذا الرافضي الحاقد.

        الوجه الثالث: أن عمر  شهد له الصحابة الذين لا يخافون في الله لومة لائم، أنه كان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم  وما كان عليه أبو بكر في خلافته، فقد روى ابن أبي شيبة في خبر مقتل عمر وفيه أن الصحابة اجتمعوا إلى عمر بعد طعنه فقالوا له:

 (جزاك الله خيراً قد كنت تعمل فينا بكتاب الله، وتتبع سنة صاحبيك لا تعدل عنها إلى غيرها، جزاك الله أحسن الجزاء...).(1)

        ولهذا كان علي بن أبي طالب يغبطه على ما كان عليه من الخير
وتمنى لو لقي الله بمثل عمله كما ثبت في الصحيحين من حديث
ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (وضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يَرُعْني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقي الله بمثل عمله منك، وأيم الله إنْ كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر).(2)

        وقد كان ابن عباس -رضي الله عنهما- إن لم يجد للمسألة حكماً في الكتاب أو السنة أفتى بقول أبي بكر وعمر، على ما روى الدارمي بسنده عن عبد الله بن أبي زيد قال: (كان ابن عباس إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  المصنف لابن أبي شيبة 7/440.

(2)  أخرجه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب)، فتح الباري 7/41، ح3685، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر) 4/1859، ح2389.



سئل عن الأمر صحــــة».(3)

        فكيف يظن بمن هذا قوله، أن يعارض النصوص برأيه واجتهاده، فإن هذا من أبعد المحال عند التأمل والاعتبار.

        الوجه الخامس: إن قول الرافضي: إن عمر عطل سهم المؤلفة قلوبهم جهل بالشرع ومقاصده، وتطاول على عمربما لا علم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)        أخرجه الدارمي 1/62، والآجرى في الشريعة ص52، وابن بطة في الإبانة     الكبرى 1/250، وذكر المحقق أن إسناده صحيح، وأخرجه اللالكائي في  شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/123.

(2)   أعلام الموقعين 1/54-55.

(3)   المصدر نفسه 1/55.



لهذا الرافضي به، وذلك أن سهم المؤلفة قلوبهم فرض في الشرع تألفاً لبعض الناس من سادات الناس وكبرائهم على الإسلام وللحاجة إليهم، فلما قوي الإسلام وكثر أتباعه اجتمع رأي الصحابة  على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم شيئاً، لعدم الحاجة إليهم، ولزوال السبب الذي كانوا يعطون من أجله.

        قال القرطبي: «قال بعض علماء الحنفية: لما أعز الله الإسلام وأهله، وقطع دابر الكافرين -لعنهم الله-، اجتمعت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في خلافة أبي بكر على سقوط سهمهم».(1)

        وقال ابن قدامة «لم ينقل عن عمر، ولا عثمان، ولا علي، أنهم أعطوهم شيئاً».(2)

        وهذا يدل على اتفاق الصحابة على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم في ذلك العهد، وأن هذا هو الذي عليه الخلفاء الثلاثة عمر، وعثمان، وعلي  لكن القطع بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم ونسبته للصحابة -كما نص على ذلك بعض علماء الحنفية ونقلوا إجماعهم عليه- محل نظر. فالمشهور عن الصحابة هو عدم إعطاء أهل التأليف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   تفسير القرطبي 8/168.

(2)  المغني 9/316.



شيئاً، كما نقل ذلك عنهم ابن قدامة، وهذا لا يلزم منه أنهم كانوا يرون سقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية، بل يحتمل أنهم رأوا منع أولئك المعاصرين لهم، لعز الإسلام، وعدم الحاجة إليهم من غير قطع بسقوط سهمهم في كل عصر عند الحاجة إليهم.

        يشهد لهذا أن العلماء من بعد الصحابة اختلفوا في سقوط سهم المؤلفة قلوبهم على قولين: فمنهم من يرى سقوط سهمهم، ومنهم من يرى أن سهمهم باق، وأن عطاءهم بحسب الحاجة إليهم، فإن احتيج إليهم أُعطوا، وإلا لم يعطوا، وهذا بناءً على ما فهموه من فعل الصحابة، الذي كان محتملاً لكل واحد من هذين القولين.

        يقول القرطبي ناقلاً الخلاف بين العلماء في المسألة: «واختلف العلماء في بقائهم (أي: المؤلفة قه الإمام المعصوم عنده، طيلة مدة خلافته، وسنه للأمة من بعده؟!

        الثاني: أن منع المؤلفة قلوبهم من عطاياهم، في حال عز الإسلام وعدم الحاجة إليهم لا يقتضي سقوط سهمهم بالكلية عند المانع لهم في تلك الحال، وبالتالي فنسبة القول بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم بالكلية لعمر ولغيره من الصحابة بمنعهم أهل التأليف عطاياهم في ذلك العهد، تبقى محل نظر، حتى يرد النص الصحيح منهم بالتصريح بالحكم المذكور. وهذا مما تندفع به مطاعن الرافضي على عمر، في دعواه أنه عطل سهم المؤلفة قلوبهم، مع ثبوته في كتابه الله تعالى.

        الوجه السادس: أن ما يثبت عن عمر من القول بالرأي، ثبت عن علي مثله، أو أكثر منه في مسائل هي أعظم من المسائل التي تكلم فيها عمر، فالقدح في عمر بهذا، قدح في علي من باب أولى.

        يقول شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- في رده على الرافضي في طعنه على عمر بالقول بالرأي: «والجواب أن القول بالرأي، لم يختص به عمر  بل علي كان من أقولهم بالرأي، وكذلك أبوبكر، وعثمان، وزيد، وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة  كانوا يقولون بالرأي، وكان رأي علي في دماء أهل القبلة ونحوه من الأمور العظائم.

        كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عباد قال:

قلت لعلي: (أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم  أم رأي رأيته؟ قال: ما عهد النبي صلى الله عليه وسلم  إليّ شيئاً ولكنه رأي رأيته)(1)
وهذا أمر ثابت، ولهذا لم يرو علي  في قتال الجمل وصفين شيئاً، كما رواه في قتال الخوارج، بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين، وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصاً، إلا القاعدون فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.

        ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً، فلا لوم على من قال
به، وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم
ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصحلة للمسلمين، لا في دينهم، ولا في دنياهم، بل نقص الخير عما كان، وزاد الشر على ما كــــان.
_________________________________

الرد من وجه آخر

أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان ثنا هارون بن إسحاق الهمداني ثنا المحاربي عن حجاج بن دينار الواسطي عن بن سيرين عن عبيدة قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالا يا خليفأي عندكم مقدم على القرآن. ألستم تقدمون العقل على النقل. وبالمناسبة هل يطرد هذا على العترة؟ هل يجوز تقديم الرأي على قول العترة؟ ألستم تقولون فلا تتقدموهم فتهلكوا؟ فكيف ساغ عندكم تقديم عقولكم على القرآن والعترة؟

ثم إن كان الرأي مذموما فيلزم ذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فإنه كان يرى الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين. وهذا مخالف لما ثبت عن النبي e. فعن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه: أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال: قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذب أبو السنابل أو ليس كما قال أبو السنابل، قد حللت فتزوجي» (مسند أحمد18917 وصححه الأرناؤوط).

وقد كان علي يشير على عمر في أمور عديدة وبمجرد الرأي. فقد روى الحاكم عن وبرة الكلبي أن خالد بن الوليد أرسله إلى عمر يستشيره قائلا « إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم فقال علي رضي الله عنه: نراه إذا سكر هذى و إذا هذى افترى و على المفتري ثمانون فقال: عمر: أبلغ صاحبك ما قال. فجلد خالد ثمانين و جلد عمر ثمانين» (المستدرك4/417 رقم8131 وصححه الذهبي).

فانظر كيف اجتهد علي رضي الله عنه في أمر لم يرد في الشرع تحديد للعقوبة فيه، فعمل عمر والصحابة كافة برأيه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.